الجيش في قبضة الإخوان بعد عام على حرب السودان

بعد عام من الحرب ما يزال الموقف العملياتي الميداني للجيش السوداني ضعيفاً للغاية

الجيش في قبضة الإخوان بعد عام على حرب السودان

بحلول الخامس عشر من أبريل أكملت الحرب السودانية عاماً كاملاً بلا أفقٍ للحل. الحرب التي تؤكد جميع الوقائع والأدلة والتقارير والتحقيقات أنه تم التخطيط لها من قبل ضباط الجيش السوداني المنتمين إلى جماعة الإخوان، بالتنسيق مع قيادة الجيش السوداني متمثلة في قائده عبد الفتاح البرهان ونائبه شمس الدين الكباشي ومساعديه ياسر العطا وإبراهيم جابر، علاوة على قائد الميليشيات المسلحة التابعة للحركة الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان)علي أحمد كرتي وقادة حزب المؤتمر الوطني المحلول أسامة عبد الله، والمطلوب للقضاء السوداني والمحكمة الجنائية الدولية الإخواني الهارب أحمد هارون.

إعادة الإخوان إلى السلطة

هؤلاء جميعاً اتحدوا من  أجل وقف مسيرة التحول المدني الديمقراطي والعودة إلى سدة الحكم مجدداً، كانوا يتوقعون ألا تستغرق إلا أسابيع قليلة يتم من خلالها تحطيم قوات الدعم السريع التي أنشأها الإخوان أنفسهم، والقبض على قادتها الكبار وقادة الأحزاب السياسية والقوى المدنية ومحاكمتهم بالخيانة العظمى وفق سيناريوهات معدة مسبقاً، وبالتالي إعادة جماعة الإخوان إلى السلطة تحت غطاء الجيش، كما حدث في انقلاب زعيم الجماعة حسن عبد الله الترابي عبر ضابطه في الجيش عمر حسن البشير في يوليو 1989. 

الموقف الميداني 

خلال عام من الحرب الضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تمكنت الأخيرة من التمدد إلى معظم أنحاء عاصمة البلاد وسيطرت على 5 ولايات كاملة منها 4 في دارفور إلى جانب الجزيرة، بالإضافة إلى سيطرتها على أجزاء واسعة من ولاية شمال دارفور ومحاصرة عاصمتها مدينة الفاشر من جميع الاتجاهات، فضلاً عن أجزاء واسعة من ولايات الخرطوم وشمال كردفان وسنار، وأجزاء من ولاية القضارف ، فيما تمكن الجيش خلال شهري مارس ونيسان أبريل من استعادة عدة أحياء من مدينة أم درمان ومبنى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون بالمدينة نفسها، لكن قوات الدعم السريع باغتته بالسيطرة على مدينة مليط الاستراتيجية بولاية شمال دارفور .

ضعف الجيش السوداني

بعد عام من الحرب ما يزال الموقف العملياتي الميداني للجيش السوداني ضعيفاً للغاية، ولم يتمكن من تحقيق أي تقدم ملحوظ، ما عدا في مدينة أم درمان، فيما تقترب قوات الدعم السريع من السيطرة على ولايتي سنار الاستراتيجية القريبة و القضارف على الحدود الإثيوبية وولاية شمال دارفور على الحدود الليبية التشادية.    

ظهر ضعف الجيش السوداني وعدم قدرته على مقارعة قوات الدعم السريع في تقهقره وانسحابه المستمر من أي مواجهة معها، كما حدث في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وثالث أكبر المدن السودانية، والتي تعتبر عاصمة للاقتصاد الزراعي في البلاد حيث تضم أكبر مشروع زراعي في البلاد، وتحتل موقعاً استراتيجياً وسط السودان.

الاستعانة بالمقاومة الشعبية والميليشيات الإخوانية

وقد أعلن الجيش بعد مضي شهور قليلة من الحرب ما سماها بعملية الاستنفار الشعبي وتأسيس المقاومة الشعبية وتوزيع السلاح على المدنيين ومطالبتهم بحماية قراهم وبلداتهم ومدنهم، فضلاً عن استعانته بالميليشيات الإرهابية الإخوانية كقوات العمل الخاص (هيئة العمليات) سابقاً، وميليشيا البراء بن مالك الإخوانية، وما يسمون بالمجاهدين من عناصر الجماعة ومن المنتمين إلى تنظيم داعش الإرهابي ممن عملوا كمحاربين متطوعين في حرب جنوب السودان قبل أعوام، كما أعاد الجيش العناصر الإخوانية المقاتلة التي كانت تعمل ضمن جهاز الأمن والمخابرات المحلول خلال عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، الأمر الذي تسبب في مخاوف  كبيرة ونجمت عنه خسارة الجيش لمعركته الدبلوماسية في الخارج، حيث فقد معظم حلفائه الإقليميين والدوليين، خصوصاً مع رفضه المستمر للتفاوض وإنهاء الحرب عبر عملية سياسية بوساطة خارجية. 

فشل تشكيل حكومة

قبل انطلاق الحرب بأكثر من عام أعاد قائد الجيش العناصر الإخوانية إلى الواجهة بعد أن ساندته في انقلابه على الحكومة الانتقالية المدنية في 25 أكتوبر 2021، ورغم أنه فشل في تشكيل حكومة طوال عام ونيف، لكنه أوكل  لعناصر جماعة الإخوان مهمة إدارة عمل الدولة حتى تاريخ اندلاع الحرب، مما جر على قيادة الجيش سخطاً شعبياً واسعاً ورفضاً إقليمياً ودولياً أيضاً، فالاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد وكذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والعديد من الدول العربية والغربية لم تعترف بانقلاب البرهان، وهذا ما جعله يفشل في تشكيل حكومة فعالة لأكثر من عام. 

خسارة المعركة الدبلوماسية والسياسية

خسر الجيش السوداني معركته الدبلوماسية والسياسية، وكان آخرها عدم دعوته من قبل الخارجية الفرنسية إلى المؤتمر الذي تستضيفه باريس في 15 أبريل بغية تحقيق 3 أهداف رئيسية على رأسها تمويل الاستجابة الدولية للحاجات الإنسانية الملحة للسودان والعمل على ضمان وصولها دون عوائق، فيما دعت إليه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك وقادة سياسيين من تنسيقية القوى المدنية (تقدم)، مما يشير إلى أن الغرب لا يعترف بحكومة الأمر الواقع التي يرأسها قائد الجيش وتتخذ من مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر عاصمة بديلة للخرطوم. 

أزمة المشهد الإنساني 

بعد عام من الحرب ما يزال السودانيون يعانون اللجوء والنزوح والتشرد ونهب الممتلكات والمجاعة والبطالة، فقد أصبح السودان بؤرة لأكبر أزمة نزوح في العالم، وفقاً لتعبير جوزيب بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي. 

وبحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن نحو 10.7 ملايين شخص، بينهم 4 ملايين طفل، نزحوا بسبب النزاع في السودان، منهم 9 ملايين داخل البلاد، بينما فر 1.7 مليون إلى دول الجوار التي تعيش أيضاً واحدة من أضخم الأزمات الإنسانية وأزمات اللجوء وأكثرها تعقيداً على مستوى العالم.

ومع اتساع رقعة الحرب إلى مناطق جديدة في شرق ووسط وغرب السودان يرجح أن يتضاعف عدد اللاجئين والنازحين داخل وخارج البلاد التي تعاني أوضاعاً اقتصادية منهارة، وقد خسر الاقتصاد السوداني جراء الحرب نحو 150 مليار دولار، وتوقف الإنتاج والتعليم وانهار القطاع الصحي وتردت البيئة وانتشرت الأمراض وفقد الملايين مصادر دخولهم، وباتوا داخل نطاق المجاعة. 

بالنسبة إلى منظمة الهجرة الدولية، فإن 12 ولاية من ولايات السودان الـ 18شهدت نزوحاً كبيراً فاق 8.6 ملايين شخص، ويعيش ما يزيد عن 6.6 ملايين منهم مع المجتمعات المضيفة في 7076 موقعاً.

وتتحدث الأرقام المبذولة من مصادر دولية ومحلية عن 1.8 مليون سوداني فروا إلى الدول المجاورة  مثل مصر، تشاد، أفريقيا الوسطى، إثيوبيا، جنوب السودان، فضلاً عن أعداد كبيرة نزحت إلى أوغندا وإريتريا ورواندا وليبيا وغيرها من البلدان. 

تأثير الإخوان على إنهاء الجيش للحرب 

إلى ذلك يعتقد مراقبون أن أمد الحرب سيطول إلى أعوام مقبلة، ما لم يستجب الجيش السوداني للجلوس إلى طاولة المفاوضات، حيث أبدى منذ أن كانت الحرب شرارة صغيرة تعنتاً كبيراً إزاء الحل السلمي، وميلاً نحو حسم الحرب بقوة السلاح، فيما صدرت عن قوات الدعم السريع ـ على الدوام ـ مواقف أكثر مرونة. 

ويرجع محللون مواقف قيادة الجيش السوداني المتشددة إلى تأثير جماعة الإخوان التي لا تريد للحرب أن تنتهي، ما لم تضمن على الأقل دوراً سياسياً مؤثراً  في مرحلة ما بعد الحرب. ويخشى المراقبون من أن الجماعة ربما تكون فرضت سيطرة محكمة على قادة الجيش، وأن القرار السياسي أصبح بيدها؛ ممّا يجعل الأمور أكثر تعقيداً من ذي قبل، حيث لا خيار أمام قيادة الجيش إلا الصدام مع الجماعة أو الرضوخ لإملاءاتها.

0 Comments