ما معنى كلمة وطن عند الاخوان المسلمين؟



لقد شهدت العصور الحديثة تيارات إسلامية متعددة تغذيها وتطورها أجهزة خفية جعلتها تستطيع السيطرة على مناطق عدة في الوطن العربي، وأثبتت الأحداث أن هذه التيارات تلعب دورا تخريبيا خطيرا في المنطقة العربية، لأنها تتسلل إلى الجسد العربي من قدسية أفكار، تربط المقدس بأفكارها وتجعلها تعم بين الناس وتنتشر لضعف الوعي تارة ، ورغبة الناس من الخروج من حالة التخلف 
والضياع بالعودة إلى التاريخ الغابر تارة أخري.


من أهم وأخطر هذه الحركات حركة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا، الذي ظل الرأي العام التابع في مصر منذ العقد الرابع من القرن العشرين ينظر لدعوتها على أنها إحدى روافد الفكر المصري الإسلامي الحديث الذي كان يمثله آنذاك الشيخ عبد العزيز جاويش، ومحمد رشيد رضا، ومحمد فريد وجدي وعلى الرغم من إدراكنا للسمات التي تميز الخطابات الثلاثة عن بعضها، إلا أن تجديد الخطاب الديني- والدفاع عن الثوابت العقدية وإحياء فكرة الجامعة الإسلامية وإصلاح المجتمع وتنقية الأخلاق من العادات المرذولة وتوجيه ولاءات الشباب إلى الجمع بين حب الوطن والفناء في طاعة الله، والتأليف بين الأصالة والمعاصرة في أمور السياسة – كان السياج الذي يجمعها في تيار واحد، وقد انضوى الفكر الإخواني تحت غايات كثيرة تبعا لأهواء قياداته، فتارة يبدو أقرب إلى الاتجاه المحافظ المستنير مدافعا عن الحكومة المدنية ذات المرجعية الإسلامية -في الفترة الممتدة من أوائل الخمسينيات إلى أواخر الثمانينات من القرن الماضي-، وتارة أخرى ينحاز إلى من أطلقوا على أنفسهم الجهاديين وأصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتارة ثالثة يدنو من الصوفية، وتارة رابعة ينخرط في العمل الاجتماعي وجمعياته التي أطلقت على نفسها السلفية وأنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية وذلك حسب ما أكد عليه الدكتور عصمت نصار في مقالته ماذا ربحت مصر من حكم الإخوان؟!!!!.


أما الرأي العام القائد فكان مدركا هشاشة الخطاب الإخواني وافتقاره إلى عمد الفكر الإسلامي (العلوم الشرعية، الفقه، التوحيد) وكان يعرف المتخصصون مدى تأثر جماعة الإخوان بالماسونية في هيكلها التنظيمي من جهة، والجمعيات السرية في تنشئة أعضائها وتربيتهم والتواصل معهم وتوجيه ولاءاتهم من جهة أخرى، ذلك فضلا عن تبنيهم العديد من المبادئ والمذاهب الفلسفية دون علم لهم بخلفياتها وحقائقها فأخذوا من مكيافيللي شعار (الغاية تبرر الوسيلة)، وأخذوا من أبو حامد الغزالي، وابن رشد، وكانط، وويليام جيمس اعتقادهم بأن انتحال الخطاب الديني من أفضل السبل لإقناع العوام بصحة القيم المراد غرسها في المجتمع، وذلك لأن السذج والبسطاء لا يفقهون لغة المنطق ولا النظريات العلمية، وأخذوا من الفرق الشيعية وإخوان الصفا فكرة المرشد الواجب طاعته ومبدأ التقية (أظهر غير ما أبطن) والكذب على الغير مباح.
 الأمر الذي كان وراء عزوف جل الأزهريين وأصحاب الرأي من المجددين الإسلاميين عن تلك الجماعة بعد انتمائهم لها .
ويقوم فكر جماعة الإخوان المسلمين على خلق كينونات وكهوف مستترة بديلة للوطن من خلال تنظيمات سرية تعمل وتخطط في سراديب الأقبية المظلمة. هدف جماعة الإخوان هو نشر التأسلم السياسي والغلو في مفهوم “الأمة” على حساب ” الوطن” ، كما أن فكر الإخوان المسلمين يقوم على محورين: الاغتيالات السياسية وإنكار الأوطان، وهدف جماعة الإخوان المسلمين هو السيطرة على كراسي الحكم تحت وهم إرجاع الخلافة التي أبطلها كمال أتاتورك عام 1924.
والسؤال الآن : لماذا يقدم الإخوان المسلمون علي هذه الخطوة ؟ هل مسألة وطن والتراب لديهم لا تشكل أي اهتمام بأي حال من الأحوال كما يقال وكما يتردد علي ألسنة أصدقائهم ومفكريهم ؟
لو تطرقنا إليها بشكل مستفيض فنجد أن هناك نوعين من مفهوم الدولة ، هناك الدولة الوطنية ، وهناك الدولة الأمة ، والدولة الأمة بالإنجليزية Nation State ، والدولة الوطنية بالإنجليزية National State ، وهناك فرق بين المصطلحين ، بالطبع جماعة الإخوان المسلمين ينتمون إلي فكرة الدولة الأمة، والدولة الأمة هي عبارة عن مفهوم تجنيس العقيدة وجعلها الهوية والجنسية والنواة الصلبة للتعريف بالمواطن وهذا الفكر لعله كان في بذوره مع تيودور هيرتزل مؤسس المنظمة العالمية الصهيونية في عام 1897 من خلال مؤتمر بازل بسويسرا .
لو نظرنا لهذه الفكرة نجد أن مرشد الجماعة ومؤسسها حسن البنا كان من رأيه كما ورد في مجلة النذير، حيث رأي أن القومية يجب أن تكون علي بنيان الدين وبنيان العقيدة، ومن هنا مسألة أن الدولة الوطنية أو الهوية الوطنية هي مسألة أراد أن يرد بها علي حزب الاتحاد والترقي بدعم من المخابرات البريطانية لما حدث من إسقاط الخلافة في عام 1923 من خلال مصطفي كمال أتاتورك، وأتاتورك يعني أبو الأتراك ، حيث نجد أن مصطفى كمال أتاتورك قد بتفعيل ما نادى به الاتحاد والترقي بفكرة القومية التركية أو الوطنية التركية، (وذلك حسب ما ذكرت معتز محسن في كتاباته)
ومن هنا أرادت المخابرات البريطانية لتفتيت فورة وحماس ثورة 1919 ، والتي ساهمت في تكوين الهوية المصرية الحديثة ، حيث نجد أنها أرادت التفتيت لأبناء الوطن بعد أن تم التوحيد بين الهلال والصليب وفشلوا في ذلك فأرادوا إحياء فكرة مفهوم الخلافة، ولكن بشكل مختلف عما كانت في الماضي فكانت من خلال تأسيس جماعة الإخوان في الإسماعيلية وتحديدا يوم 22 مارس لعام 1928 .
ولذلك كان الهدف من إنشاء الإخوان المسلمين هو كيف نحرف أنظار الشعب العربي عن مأساته الحقيقة، وكيف نجعل عقله مسدود وموجه باتجاه خاطئ، وكيف نجعله أداة يمارس فيها دور حمار طروادة لتمرير أي مخطط استعماري سرقة ثرواته وجعله مجرد مستهلك لسلع يريدها او لا يريدها. وحرف أنظاره عن سرقة ثروات وطنه من قبل الدول الاستعمارية الكبرى (وذلك حسب ما ذهب إليه الأستاذ عمر سلام في مقالته الرائعة عن مفهوم الوطن في فكر حماس) .
وجماعة الإخوان المسلمين لا تمتلك مفهوم الوطن لأن أدبياتها تنفي هذه الفكرة من أساسها، وبالتالي لا يهمها بناء الإنسان الذي يناضل من أجل وطنه، بقدر ما يهمها تنفيذ مشروع تجهيل الإنسان لخدمة أهداف معادية، وهذا ما أثبتته التجربة عند قامت جماعة الإخوان المسلمين بإرسال مقاتلين إلى سوريا وليبيا ومصر وربما إلى دول أخرى، في حين أن شعبنا في غزة والمشروع الوطني التحرري الفلسطيني بحاجة إلى كل قطرة دم.
إن فكر الإخوان المسلمين  قائم في أساسه على إنكار الأوطان، وترسيخ روح العدو لها، ومن وسائلهم لهدم الأوطان، إيجاد كينونات بديلة للوطن، بإنشاء التنظيمات السرية، وإقامة البيعات الحزبية، وكسر روح الولاء والانتماء للوطن الحقيقي، وصرف الولاء من الوطن إلى التنظيم، وجعل التنظيم هو الوطن البديل، فاختلفوا وطنا غير الوطن، كما اختلقوا أيضا أُسَراً غير الأسر، فاخترعوا نظام الأسر، والذي يتم فيه توزيع الأتباع على مجموعات صغيرة، يقود كل مجموعة شخص يسمى بالنقيب، وهو ما يعرف أيضا بنظام الخلايا السرية، وسموا كل تشكيلة من هذه التشكيلات أسرة، ليكون للشخص أسرة غير أسرته، ووطن غير وطنه.
وكان الإمام حسن البنا طرح طريقة انتقال الجماعة من واقع “الاستضعاف” إلى قوة “التمكين” عبر ست مراحل تبدأ بالفرد، ثم الأسرة، ثم المُجتمع، ثم الدولة، ثم الخلافة الإسلاميَّة، وأخيرا “أستاذية” العالم.
ومن الواضح أنَّ “الوطن” لا يُمثل بالنسبة لحسن البنا السقف النهائي الذي يجب أن تتوجه كافة جهوده لخدمة مصالحه بل هناك تقاطعات ومصالح أهم من الوطن يسعى البنا وجماعته لخدمتها من أجل الوصول لهدفها النهائي المتمثل في الخلافة الإسلاميَّة ومن ثم أستاذية العالم ؛ بمعني أن البنا وجماعته قد تعلقت أبصارهم بفكرة ” الخلافة” و” أستاذية العالم ” فأضحوا مؤمنين بأن الإسلام بذاته وطن ، وأنه لا نجاة للمسلمين بغير خليفة لهم جميعاً. ذلك أن الإسلام كعقيدة هو فى نظرهم ” محتوى سياسي” والمجتمع الإسلامى هو بذاته الكومنولث أى ( مجموعة الشعوب المسلمة)، والأمة الإسلامية تكوين سياسي متكامل .
وهنا نجد أن حسن البنا وجماعته لهم نظرة عالمية للتغيير، ولا تحظى الدولة الوطنية الحديثة باعتراف غير مشروط من قبلهم ما لم تكن وسيلة لخدمة هدف أعلى، وهو إعادة إحياء مفهوم الأمة الإسلامية، وبالتالي الوطنيَّة عندهم ليست سوى نعرة جاهلية، وأنَّ الولاء الوطني يُخالف الولاء الديني، وهذا ليس صحيحا لأنَّ الوطنيَّة حب وانتماء وولاء حقيقي لا يجب أن يوضع في موضع التعارض والتناقض مع العقيدة الدينية. وللحديث بقية!

0 Comments