السودان ... كيف تحكم جماعة الإخوان الدولة خلال الحرب

تتجلى بصمة الإخوان في إدارة الدولة على حكومة الأمر الواقع الحالية

السودان ... كيف تحكم جماعة الإخوان الدولة خلال الحرب

للحروب الأهلية في السودان التي تعتبر أطول الحروب في أفريقيا، إن لم تكن في العالم،  تاريخ قديم، فقد دبت الخلافات قبل أن يرفع السودانيون علمهم ليصبحوا دولة مستقلة اعترفت بها الأمم المتحدة في يناير عام 1956، وأشعلوا حربهم الأولى عام 1955 بتمرد حامية توريت بشرق المديرية الاستوائية  جنوب السودان، لتستمر حتى 27 فبراير  1972 حين وضعت أوزارها بموجب اتفاقية سلام أديس أبابا، لكنها ما لبثت أن استؤنفت مجدداً عام 1983، لتنتهي بما سمي باتفاقية السلام الشامل في 9 يناير 2005، بضاحية نيفاشا الكينية، التي آلت فيما بعد إلى انفصال جنوب السودان دولة مستقلة في 7 فبراير من خلال استفتاء شعبي صوت خلاله شعب الجنوب لصالح الانفصال بنسبة تفوق 99%. وفي الأثناء اشتعلت حرب دارفور غرب السودان عام 2003،  لتنتهي بموجب اتفاقية جوبا للسلام في 3 أكتوبر 2020، عقب إطاحة نظام الإخوان المسلمين عن السلطة بانتفاضة شعبية في 11 أبريل 2019، لكن ما لبثت الحرب أن اشتعلت مجدداً بين الجيش السوداني وإحدى مكوناته وهي قوات الدعم السريع في 19 أبريل 2023. 

تورط الإخوان في الحرب

على مدى هذه الحروب الأهلية لم يثبت تورط أي حزب سياسي أو جماعة دينية أو فكرية فيها، مثلما تورط الإخوان المسلمون في الحرب الأخيرة، ويتوفر الكثير من الشواهد والأدلة والوثائق التي تثبت أن جماعة الإخوان المسلمين هي من خططت لها ونفذتها وأطلقت الرصاصة الأولى، وما تزال تخوض غمارها عبر ميليشياتها المسلحة والجماعات الإرهابية الموالية لها، بجانب قادة الجيش الذين يدينون لها بالولاء. 

بصمة الإخوان 

لا تكتفي جماعة الإخوان بإدارة العمليات العسكرية على الأرض، وإنما هي من تضع الخطط السياسية وتدير العلاقات الخارجية والدبلوماسية في حكومة الأمر الواقع التي تتخذ من ميناء بورتسودان على البحر الأحمر شرق السودان عاصمة بديلة. 

ويرى مراقبون أن الحكومة التي تدير المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش السوداني، لا تقدّم خططاً ولا استراتيجيات جديدة، وإنما تمضي على نهج النظام السابق وتطبق سياساته نفسها، فقد خسرت بسرعة علاقتها بدول  الجوار أولاً، حين استعدت إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، وحافظت على مستوى معقول من العلاقات مع مصر وإريتريا في بداية الحرب ثم بدأت بخسارتها تدريجياً، كما أنها فشلت في استقطاب أي دعم خارجي، حتى من تركيا التي هرب إليها رموز الجماعة بعد انهيار نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، كما خسرت علاقاتها مع الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد، وشنت حملات إعلامية منظمة على رؤساء دول الجوار ووصفتهم بالمرتشين والفاسدين، وأوكلت مهمة تخريب العلاقات مع الدول للفريق ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني، والمقرّب من الجماعة. 

الحرب وطاولة المفاوضات

الناظر إلى تاريخ الحروب الأهلية السودانية يجد أنها جميعها انتهت بالجلوس إلى طاولات مفاوضات أبرِمت عليها اتفاقيات سلام، ولعبت الدول المجاورة والمنظمات الأفريقية الدور الرئيس في تقريب وجهات النظر بين أطرافها المتحاربة، فحرب الجنوب الأولى انتهت باتفاقية أديس أبابا في عهد الإمبراطور الإثيوبي هيلي سلاسي، بمساعدة ورعاية منظمة الوحدة الأفريقية  حينها، وحرب الجنوب الثانية انتهت باتفاقية نيفاشا الكينية بمساعدة ورعاية منظمة إيغاد، وحرب دارفور انتهت باتفاقية جوبا، بمساعدة ورعاية دولة الإمارات العربية المتحدة ومنظمة إيغاد ودولة جنوب السودان. 

ورغم هذا التاريخ من الدور الأفريقي الكبير في التدخل لصالح وقف  الحروب السودانية وتحقيق السلام والوحدة الوطنية، إلا أن جماعة الإخوان منذ انقلابها على حكومة الصادق المهدي 1989، نأت بنفسها عن القارة معتبرة الحكومات الأفريقية محض سلطات كافرة علمانية وأدوات لدول الغرب التي تحارب الإسلام والمسلمين، وفقاً لوصفها للدول الغربية، وعندما استلمت السلطة في الخرطوم قطعت علاقاتها بمصر عبر محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك، وإريتريا وإثيوبيا وتشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى، والسعودية والكويت والإمارات وجميع دول الخليج العربي، وتوعدت الولايات المتحدة وروسيا بالعذاب من خلال النشيد الجهادي الشهير الذي كانت تبثه إذاعة أم درمان "أمريكا روسيا قد دنا عذابها ... علي إن لاقيتها ضرابها".  

دبلوماسية صفرية 

سياسة الدبلوماسية الصفرية أو دبلوماسية حافة الهاوية، هي سياسة إخوانية شائعة، تتيح للجماعة اللعب على كل الحبال في علاقاتها الخارجية، وهذا ما بدا واضحاً خلال عام من الحرب الراهنة، فتارة تقترب حكومة بورتسودان من مصر، ثم تذهب مباشرة إلى تركيا، قبل أن تنحرف إلى إيران، وتارة تستجلب خبراء وقوات أوكرانية، وأخرى تذهب إلى روسيا لتغريها بقاعدة عسكرية على البحر الأحمر وتدعوها حكومتها إلى زيارة السودان، فتغضب أوكرانيا.

وبالنسبة إلى مراقبين ومحللين، فإن البصمة الإخوانية في إدارة الدولة والحرب باتت شديدة الوضوح، فالجماعة عرفت داخلياً بأنها تعتمد على البقاء في السلطة بإثارة النعرات والفتن القبلية في مجتمع تغلب عليه البداوة والحمية العرقية.

الإخوان وحكومة شرق السودان

وهذا ما يحدث الآن في غرب وشرق السودان، حيث يغلب الولاء القبلي على القومي لغياب الدولة وضعفها وعدم قدرتها على تقديم الخدمات والحماية لمواطنيها في المناطق النائية. 

وتتجلى بصمة الإخوان في إدارة الدولة على حكومة الأمر الواقع الحالية في استخدامها وسائل الإعلام لتخريب العلاقات الخارجية، والترويج لما تسميه مؤامرة دولية لتخريب البلاد تستخدم فيها قوات الدعم السريع عسكرياً وتنسيقية القوى المدنية "تقدم" سياسياً، لرميهما بالعمالة والارتزاق والخيانة الوطنية، وغيرها من المصطلحات التي ما عاد لها تأثير كبير في ظل الانفتاح وتوفر المعلومات. 

أساليب قديمة 

ووفقاً لمحللين سياسيين وعسكريين، فإن عجز جماعة الإخوان، التي تدير مناطق سيطرة الجيش، عن ابتكار أساليب جديدة  لإدارة ملفات الحرب والعلاقات الخارجية والسياسة الداخلية، والركون إلى الأساليب القديمة التي تعود إلى عام 1989، تسبب في خسائر عسكرية ودبلوماسية كبيرة للجيش السوداني، ولم يجد ما يكفي من المساندة الشعبية الداخلية التي تمكنه من  تحقيق انتصارات ذات بال في حربه ضد قوات الدعم السريع؛ فقد أثر الوجود الكبير للإخوان من فلول النظام السابق في مفاصل الحكومة وفي ميادين القتال سلباً على حصول الجيش على إجماع وطني يؤهله أخلاقياً وسياسياً لوصف الحرب بأّها معركة كرامة وطنية، كما لم يجد من المبررات ما يكفي لإقناع العالم الخارجي بأنه يواجه تمرداً مسلحاً أو انقلاباً عسكرياً.

دور وطني لقوات الدعم السريع

فقوات الدعم السريع لم تكن في أي وقت من الأوقات قوات متمردة على الدولة، بل ظل قادة الجيش وجماعة الإخوان يرددون حتى قبل الحرب بأيام أنها جزء لا يتجزأ من الجيش، وأنها حامية الوطن، وهي التي حققت انتصارات كاسحة على الحركات المتمردة في إقليم دارفور غرب السودان وكسرت شوكتها إبان حكم البشير الذي منح قائدها رتبة عميد دون مروره بالكلية العسكرية، وتمت ترقيته فيما بعد إلى لواء ثم إلى فريق، قبل أن يمنحه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بنفسه رتبة فريق أول، ويختاره نائباً له في المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى مقاليد الحكم بعد خلع الرئيس السابق عمر البشير. 

0 Comments