أولويات السياسات الاقتصادية العالمية في الاصلاح الاقتصادي والسيطرة على نسب التضخم

النمو الاقتصادي


تمثل مستويات التضخم الحالية مخاطرة واضحة على الاستقرار الاقتصادي الكلي حاليا وفي المستقبل، وينبغي أن تكون إعادته إلى مستهدفات البنوك المركزية على رأس أولويات صناع السياسات. واستجابة للبيانات الواردة، بدأت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية إلغاء الدعم النقدي بوتيرة أسرع مما توقعنا في إبريل، بينما كانت اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية قد بدأت بالفعل رفع أسعار فائدتها في العام الماضي. 

ونتج عن ذلك تشديد السياسة النقدية عبر البلدان بصورة متزامنة غير مسبوقة تاريخيا، ومن المتوقع أن يكون تأثير هذا التشديد قاسيا، حيث تتراجع معدلات النمو العالمي في العام القادم وتتباطأ معدلات التضخم. وسيكون لتشديد السياسة النقدية تكاليف اقتصادية حقيقية لا مفر منها، ولكن التأخر في هذا الإجراء لن يؤدي إلا إلى تفاقم المصاعب. وينبغي للبنوك المركزية التي بدأت تشديد سياستها النقدية أن تستمر على هذا المسار إلى أن يتم ترويض التضخم.

ويمكن أن يساعد تقديم الدعم الموجه من المالية العامة على تخفيف الأثر الواقع على أشد الفئات ضعفا. غير أنه في ظل استنزاف الميزانيات الحكومية بسبب الجائحة والحاجة إلى موقف عام مضاد للتضخم على صعيد السياسات الاقتصادية الكلية، فسيكون تعويض الدعم الموجه من المالية العامة بإجراء زيادة ضريبية أو خفض الإنفاق الحكومي حائلا دون أن تتسبب سياسة المالية العامة في جعل مهمة السياسة النقدية أكثر صعوبة.

وفي ظل قيام البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة برفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، سيتواصل تشديد الأوضاع المالية، وخاصة بالنسبة لنظرائها من الأسواق الصاعدة. ويتعين على البلدان أن تستخدم أدوات السلامة الاحترازية الكلية على النحو الملائم لحماية الاستقرار المالي. وحيثما يتعذر استيعاب الصدمات الخارجية من خلال أسعار الصرف المرنة وحدها، ينبغي أن يكون صناع السياسات متأهبين للقيام بتدخلات في سوق الصرف الأجنبي أو تطبيق تدابير لإدارة تدفقات رأس المال في سيناريو الأزمة. 

وتأتي مثل هذه التحديات في وقت يفتقر فيه الكثير من البلدان إلى الحيز المالي الكافي، حيث أصبح 60% من البلدان منخفضة الدخل في حالة مديونية حرجة بالفعل أو معرضا لمخاطر كبيرة تهدد ببلوغها، مقابل حوالي 20% من هذه البلدان في الماضي. وسيُدْفَع مزيد من البلدان إلى المستوى الحرج بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض، وتقلص تدفقات الائتمان، وارتفاع سعر الدولار، وتراجُع النمو.

0 Comments