المجتمع الأمريكي يصدم زائريه .. والمعتقد حرية خاصة

الشعب الامريكي

تشغل أمريكا العالم، وينشغل بها. وقد سبقت الثورة الأمريكية الثورة الفرنسية وألهمت بعض زعمائها. ولعب المثقفون الأمريكان دورا كبيرا في هذه الثورة وبناء اتحاد الولايات الأمريكية، كما أشاعوا الفكر التنويري أساس هذه الثورة ذات البعد الكوني. وكان المغرب أول دولة اعترفت بهذا البلد الثائر، وحمى سفنه التي تعبر المحيط، فضمن لنفسه مكانة خاصة في تاريخ أمريكا، فأبان المولى محمد بن عبد الله عن نظرته الإستراتيجية..

هذه محاور وأخرى يتطرق إليها الحوار مع الروائي والمفكر المغربي الأمريكي أنور مجيد في ثلاثة أجزاء..وهذا الجزء الثاني من هذا الحوار الثري والطويل:

يلاحظ لدى “باين” هذا التركيز على الحقوق الطبيعية، وحقوق الإنسان.. هل يمكن أن نعرف كيف اهتدى هو إلى هذا الأمر المهم في تاريخ البشرية ليقاوم عبره الاستبداد؟

يعود السبب إلى هيمنة حضور الاستبداد السياسي خاصة، ثم الفكري. لأن السبب الأسمى لمحركي الثورة هو الدفاع عن الحريات. فالإنسان حين تسلب منه حرية الفكر، والتعبير يعيش قمة الارتباك، والضياع، فلا يحس بالراحة في وجوده ولا في ذاته، ويفقد كل انسجام. 

ويبدو أن “باين” و”جيفرسون” كانا من كبار متزعمي الثورة..

مع إشارة ضرورية أن جيفرسون كان رجل الدولة، بينما يمكن اعتبار “توماس باين” مناضلا، يكتب ويحمس وينشر الوعي بالحقوق. جيفرسون كان يقاسمه الأفكار ذاتها ويؤمن بها، ولكنه كان له وزن كبير هو وزن رجل الدولة، وزن خاص، لذلك أصبح رئيسا، فيما بعد، ولم يتنازل عن مقاسمة “باين” أفكاره.

بل وسانده على الدوام، لأنه فيما بعد رحل إلى فرنسا، وسجن هناك أيام الثورة الفرنسية، وهناك أيضا كتب كتابه “زمن الرشد” (1793-1794)، فابتعد عنه أصدقاؤه أيضا، لأنه بدأ يتحدث في الدين، والعقيدة. والدين موضوع حساس في أمريكا. ورغم ذلك، ظل طوماس جيفرسون متعاطفا معه، ويشاركه مشاركة وجدانية. وقد خصصت فصلا في كتابي “دعوة إلى الزندقة” “لطوماس باين”.. 

المثير في تاريخ هذا البلد، أن جورج واشنطن، أول رئيس كان يحمل أفكارا تحررية ولو أن ينتمي إلى سلك الجندية..

هو كان قائدا عسكريا، وكان مفكرا، ولم يكن مناضلا مثل “باين”. كان قائد جيش المقيمين في أمريكا والمقاومين لإنجلترا. وبالفعل، كانت أفكاره تحررية، ومنح الحقوق لليهود، لأن من حقهم الحصول عليها. ولكنه كان معتدلا في فكره. ورجل الدولة بكل ما في الكلمة من معنى.

ولو سألنا التاريخ الأمريكي عن قادته الكبار لالتفتنا نحو جورج واشنطن، وهو محط إجماع تقريبا. أما لنكولن فهو أيضا من المقدسين في تاريخ أمريكا ولكن موقف سكان الجنوب الأمريكي منه يختلف عن سكان الشمال تجاهه، بسبب موقفه من العبيد، وتحريرهم، والحرب الأهلية. لذلك يبقى واشنطن هو الأقدس. وكان بالإمكان أن يحوله الأمريكيون إمبراطور أمريكا، كما حدث في الحضارة الرومانية،


0 Comments