الذئاب المنفردة.. أخطر التحديات في أوروبا

الارهاب في اوروبا

تُمثل التهديدات الأمنية إشكالية كبرى في وجه الدول الأوروبية، فبعد أن ولّت الحروب النظامية ذات البُعد القومي بفعل تأسيس الاتحاد الأوروبي، الذي اعتمد في هيكلته على سياسة شاملة احتوائية لكل العرقيات والأقليات الدينية، وجد الأوروبيون أنفسهم في مواجهة تحدٍ جديد تقوده التنظيمات المُتطرفة، ولكنه يختلف في آلياته عن تلك المُتعارف عليها في الحروب النظامية.

حيث إن ساحات الحروب أصبحت التجمعات السكنية والتكتلات المدنية، ولم يعد المُستهدف منها أفراد الجيوش، الذين يتخذون تدابير أمنية تحول دون إيذائهم، بل أصبح قتل المدنيين وترويعهم بإحداث فزع عام في المجتمع هو الآلية الأكثر شيوعًا التي تنتهجها التنظيمات المتطرفة؛ لاختراق الأمن القومي لأوروبا، فبالتأكيد، رد الفعل المجتمعي سوف يكون أشد حدة نقدية تجاه الحكومات الأوروبية في حال استهداف المدنيين عن استهداف العسكريين، ناهيك عن صعوبة تحقيق الثانية.

وقد كثفت التنظيمات المتطرفة من عملياتها في أوروبا في الفترة الأخيرة، مُستغلة المناخ الديمقراطي السائد، إضافة إلى حالة الخصوصية التي يتمتع بها المواطن الأوروبي كجزء أصيل من حقوقه المدنية التي لا يجوز للأنظمة الحاكمة أن تتجاوزها بأي حال من الأحوال.

حيث إن الثقافة الأوروبية في بنيتها القانونية ثقافة تحررية، لا تقبل القيود السلطوية تحت ذريعة تحقيق الأمن العام، بل تُلْزَم الأجهزة الأمنية بالبحث عن وسائل قانونية بديلة من شأنها أن تُحقق الأمن المجتمعي، وتَحُد من عمليات الترويع القومي العام دون المساس بالحريات الأساسية التي يكفلها الدستور والقانون.

من هنا نجد أن هناك فراغًا أمنيًّا واضحًا بين ما تقوم به الأجهزة الأمنية، وما تود القيام به، ولذا فإن التنظيمات المتطرفة عملت جاهدة على استغلال هذا الفراغ للتعمق في قلب المجتمع الأوروبي، وتنفيذ هجماتها الدموية، التي أظهرت في البداية قصورًا واضحًا من قبل أجهزة الأمن الأوروبية، قبل أن تتمكن من التعامل معها لاحقًا.

لكنّ، التنظيمات المتطرفة لا تيأس، بل لجأت إلى تكتيك «الذئب المنفرد»، الذي يعمل على تعبئة وتحفيز أولئك الذين يعانون من القهر والتهميش المجتمعي والتمييزٍ العرقي، أو ربما من فشل ذريع في إثبات ذواتهم في واقع عملي يمتلئ بالمصاعب والعراقيل والتحديات، فضلاً عن أولئك الذين شُوهت عقولهم بأفكار مُتطرفة، لتنفيذ هجمات ضد أوطانهم أو المجتمعات التي يعيشون فيها، والتي فشلت في احتوائهم، ما حتم عليها بعد ذلك، مواجهتهم بوسائل مختلفة تضمنت المراقبة الشخصية بأوامر قضائية.

وقد نجح تكتيك «الذئب المنفرد» في مُساعدة التنظيمات المُتطرفة على تجاوز القيود الأمنية المفروضة؛ بهدف الحد من الإرهاب، مُستغلة بذلك الهوية الغامضة لمُنفذيها، بسبب حداثة طُرقها وآلياتها المبتكرة، ما أحدث لاحقًا ربكة نوعية في صفوف الأمن الأوروبي، ولذا تسعى هذه الدراسة لاستبيان أسباب الظاهرة، إضافة إلى البدائل المُتاحة أمام الدول الأوروبية للتعامل معها، والتقليل من آثارها السلبية.

0 Comments