جماعة الحوثي.. من جمعية خيرية تمولها إيران إلى جماعة إرهابية تهدد المنطقة

جماعة الحوثي

الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود.." بهذه الشعارات الرنانة ينطلق الحوثيون جنوبا، وهم يعطون ظهرهم لإسرائيل وأمريكا شمالا، ممعنين منذ زمن في قتل المسلمين المسالمين من أبناء اليمن بتواطؤ غير مسبوق من الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. هذه المسافة بين الشعارات الرنانة تجاه البعيدين والفعل الدموي بحق القريبين لا تذكر إلا بـ "داعش" و"القاعدة" ومن سار على نهجهما من هذه الجماعات الإرهابية. 

فالشعار ضرورة من أجل الاستقطاب والترويج، بينما الفعل الحقيقي يصب في ممارسات مليئة بالقتل والنهب والسلب للقريبين والبعيدين، وإن كان اليمن هو المتضرر المباشر منهم اليوم فليس هناك ما يمنع، إن لم يوضع لهم حد، أن يتضرر منهم من هم أبعد من ذلك، كما يتضرر اليوم العالم كله من "داعش" ومثيلاتها. إذ إن جماعة الحوثي ليست حديثة عهد بالانقلابات وخيانة العهد، فقد انقلبت من قبل اجتماعيا على قبيلتها، بل عقائديا على مذهبها الزيدي الشيعي. 

وهنا تحضر إيران ودورها المتكرر تاريخيا في أكثر من بلد كمحرك للفتن والنعرات بين أصحاب العقيدة والوطن الواحد. وهذا ما يجعل الكثيرين حتى من داخل اليمن نفسه ينظرون لهذه الجماعة، لا بوصفها أقلية ولكن بوصفها عصابة مسلحة تغذت على الكراهية وسفك الدماء، منذ نشأتها على يد إيران وحتى اليوم. القصة تبدأ من إيران وسياساتها الطائفية المذهبية حيث عقدت قيادات الحرس الثوري -المسؤول عسكريا عن تصدير الثورة الخمينية- العزم على البحث عن موطئ قدم في اليمن "السعيد" في منتصف الثمانينيات الميلادية على وجه التقريب. 

ولكنها لم تجد هناك من يمثلها "مذهبيا" فالزيدية الشيعية أبعد ما تكون عما تعتقد به إيران. وكان لهذا الغياب تأثيره الواضح على الخطط الموضوعة سلفا التي يعمل عليها الحرس الثوري منذ بدء الثورة الإيرانية في أكثر من بلد عربي. ولكن بالرغم من ذلك لم تتراجع قيادات الثورة الإيرانية عن اختيارها لليمن نظرا لموقعه الحساس والمهم في المنطقة. فوقع اختيارهم على بدر الدين الحوثي "والد عبدالملك"، الذي كانت تربطه علاقات جيدة بإيران ومرجعياتها. 

ليؤسس بدر الدين الحوثي فيما بعد جماعة أطلق عليها اسم جماعة "الشباب المؤمن" وكان لهذه الجماعة نشاطاتها الاجتماعية والخيرية التي جذبت لها الكثير من المؤيدين والأتباع من المذهب الزيدي، بل حتى من أئمته المشهورين دون أن يعلم البعض منهم حقيقة ما تخفيه هذه الجماعة وما يخفيه زعيمها الحوثي من ارتباطات بإيران وما يبيت له من نوايا وصلت لأقصاها حين خطط للتحول بجماعته وأتباعه إلى المذهب الاثني عشري في أول وأهم انقلاب تدبره الجماعة. 

يذكر أن بدر الدين الحوثي توجه، بعد ذلك، إلى إيران برفقة ابنه حسين، وتحديدا في نهاية عام 1994، ومكث فيها حتى عام 2002م. ثم رجع حسين الحوثي قبل أبيه من إيران، وكان أن غير اسم تنظيم "الشباب المؤمن" إلى "أنصار الله"، في خطوة توحي بنوايا سياسية أكبر مقارنة بالخطوات الاجتماعية السابقة التي رغّبت الناس في حركة "الشباب المؤمن". وهنا بدأ الصدام المباشر مع علماء الزيدية أنفسهم وحسين الحوثي وأتباعه. 

ولكن حسين لم يتخل عن توجهه، فوصل الحال بعلماء الزيدية أن حذروا منه ومن أتباعه في بيان لهم نشر في صحيفة "الأمة"، وهي الصحيفة الناطقة باسم حزب الحق، محذرين ما سموه "ضلالات الحوثي وأتباعه"، حيث اتهموه بمخالفة أصول المذهب الزيدي، ومذهب أهل البيت، وتحوله بشكل كامل للمذهب الاثني عشري الذي، برأيهم، لم يكن له موطئ قدم في اليمن قبل ظهور هذه الجماعة. حتى إن بعض الذين هاجموا حسين وجماعته، كانوا أفرادا وعلماء يُحسبون على ذات القبيلة والمنطقة أو آخرين شاركوهم تأسيس حركة "الشباب المؤمن" قبل أن يتغير اسمها إلى "أنصار الله"، متهمين الحوثيين بالخروج عن المدرسة الزيدية والاقتراب من الاثني عشرية، بينما اعتبرهم آخرون "زيدية متطرفين". 

فقد قال عنهم محمد بن عبدالعظيم الحوثي بأنهم "مارقون وليسوا من الزيدية في شيء" وحكم عليهم بالردة والخروج عما وصفه بـ"مذهب آل البيت". كما يقول عنهم الشيخ مجد الدين المؤيدي (1914م – 2007م)، وهو عالم دين يمني، إن ظاهرة الحوثية غريبة على المجتمع اليمني المسلم في أفكارها، وأطروحاتها، بعيدة كل البعد عن المذهب الزيدي الذي يشكل هو والمذهب الشافعي توأمين رئيسين وفرعيين في أصل عقدي واحد، هو الإسلام الحنيف. كما يقر هذا الأمر عالم الزيدية محمد عبدالعظيم الحوثي الذي نفى كون الحوثيين من الزيدية، أو حتى من الجعفرية "الاثني عشرية".

 وقال، هم أنفسهم يسمّون الحوثيين أو "أنصار الله"، ويدعون أنهم أصحاب مسيرة قرآنية، لا مذهبية، والواقع أنهم "طلاب سلطة، متهالكون في الاستخفاف بالدماء" على حد تعبيره. ونتيجة لهذه الخلافات المستمرة والمتصاعدة حدث في حزيران (يونيو) 2004، أن اندلعت المواجهة المسلحة الأولى للحوثيين التي قتل فيها قائد التنظيم حسين الحوثي، وبحسب بعض معتقدات التنظيم، فإن كثيرا من أتباعه يظنون أنه لا يزال حيا حتى هذه اللحظة. 

0 Comments