قراءات في تعافي الاقتصاد العالمي

الاقتصاد العالمي

هناك اختلافات ووجهات نظر عديدة في تصور كيفية تعافي الاقتصاد العالمي وعودته إلى أوضاع ما قبل الجائحة. وقد زادت عدة طروحات أخيرا مع ظهور مؤشرات كثيرة في دول عديدة على احتمال تفشي موجة لفيروس كورونا كوننا على أبواب فصل الشتاء.
التوقعات كثيرة ومن المؤكد أن الأمور ستختلف من دولة لأخرى حسب الملاءة المالية والاحتياطيات النقدية لكل دولة التي ستمكنها من الإنفاق على خطط التحول المطلوبة باقتصاد ما بعد كورونا، ورغم الاختلافات، هناك إجماع على أن اقتصاد العالم يواجه تحديات كبيرة على المدى المتوسط، أي خلال الأعوام الخمسة المقبلة، حتى بعد انتهاء الفيروس.

كما هو معروف في علم الاقتصاد، إن مرحلة “التعافي” تتخذ عادة واحدة من أربعة أشكال يعبر عنها بالحروف (L – U – V- W) وهي كلها ليست سواء توقع في احتمالية العودة الى ما قبل الانكماش، ويعتمد الأمر على ظروف وعوامل كثيرة مثل الموقع الجغرافي للدولة ونوع وطبيعة وقوة نشاطها الاقتصادي وغيرها من العوامل.

فعلى سبيل المثال، شكل L يعني حصول انخفاض أو انكماش قوي في الاقتصاد ومن ثم يبدأ بالتعافي التدريجي البطيء على مدى بضعة أعوام، وهذا يعني حصول انكماش وعطالة بنسب كبيرة تستمر أعواما مصحوبة بتعاف تدريجي بطيء.
أما شكل U فيعني انكماشا قويا كالأول، لكنه لا يبقى طويلا، بل يتبعه تعاف على المدى المتوسط كعامين أو ثلاثة. وهذا هو الفرق الجوهري عن الأول.

وأما شكل V فيعني انكماشا سريع الحصول، يليه تعاف سريع الحصول وهو الأقل احتمالا في الوقوع، بل ما نراه حاليا في الاقتصاد العالمي يجعله معدوم الاحتمال.

واخيرا، هناك شكل مزدوج للشكل السابق، وهو W والذي يعني حصول انكماش يقطعه تعاف مؤقت لظروف ما، تنتهي فيعود الانكماش، ثم ينتهي مرة اخرى. وتأخذ العملية كلها في الأغلب مدى متوسطا كعامين أو ثلاثة، وقد تطول. وطبيعة الظروف هي من تحدد تلك المدة. وحصل ما يشبه ذلك في عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

نحو ثلث إلى نصف الآراء التي اطلعت عليها عالميا تتوقع تعافيا اقتصاديا يتخذ شكل U وحيث النسبة في الآراء تتفاوت بين الدول والمجتمعات. فنسبتهم في أوروبا وأميركا أكثر من اليابان أو منطقة الخليج . وهناك مؤشرات كثيرة في دول عديدة على احتمال تفشي موجة ثانية لفيروس كورونا الذي سيضر بما حصل من تعاف نسبي في الاقتصاد العالمي في الأسابيع الأخيرة وحيث سيؤخر من رجوع الأوضاع ويجعلها أكثر صعوبة.

وتبعا، تبدو جهات اقتصادية عالمية كصندوق النقد الدولي حاليا أكثر تشاؤما على أوضاع الاقتصاد العالمي مقارنة بما كانت تراه قبل أشهر قليلة. وهناك نوع من الإجماع على كون الوضع لم يسبق له مثيل منذ “الكساد الكبير” في ثلاثينيات القرن الماضي. ولكن بنفس الوقت هناك نوع من التفاهم بين قادة الدول على صعوبة إعادة فرض “إغلاق كامل” أو “شبه كامل” خلال فترة انتظار العالم للقاح فعال ونجاح تجارب شركات الادوية العالمية الذي ينتظره الناس الذين ضاقوا ذرعا بالقيود وينشدون العودة إلى الحياة الطبيعية.

بصورة عامة، يبدو أن معظم دول العالم أصبحت أكثر دراية بما هو مطلوب للتعاطي مع الفيروس. ومن ثم، فإن عودة أي إغلاق في المستقبل حتما ستكون ضمن ترتيبات وقيود أخف مما حدث سابقا. لكن تبقى المخاوف كبيرة من قوة التأثيرات السلبية على التعليم والتدريب وعمل الموارد البشرية في المستقبل القريب. 

وفصل الشتاء القادم سيكون بلا شك صعبا على دول العالم حيث حصول موجة ثانية من تفشي الفيروس سيعصف بأسواق النفط والأسهم وغيرها. بالمقابل، من الصعب جدا تكرار برامج التحفيز المالي بالحجم نفسه. فالديون العامة والخاصة بلغت حدا كبيرا وصدرت بها تقارير دولية كثيرة.

0 Comments