فلسطين ليست للبيع


هل اراضي الله المقدسة اصبحت للبيع ؟!!! اصبحت من السهل التفريط بها بهذه الطريقة الرخيصة ؟!!!
ما تسعى إليه ورشة (أو مؤتمر) البحرين، أو سمه ما شئت من الأسماء، هو مقايضة أرض فلسطين بالمال، أي أنها ستكون مجرد مزاد علني كبير لإعلان أكبر سمسرة علنية في التاريخ لبيع الأرض الفلسطينية للإسرائيليين. والغريب في أمر هذه السمسرة أن الشاري الحقيقي ليس بالضرورة هو من سيدفع، لأن من سيدفع في هذه الحالة هي الدول العربية، وعلى الأخص السعودية والإمارات. هذه باختصار ووضوح تام هي “صفقة القرن”، وربما سميت كذلك لأنه لم يسبق لها أن حدثت في التاريخ، يبيع ما لا يملك لمن لا يستحق، ويدفع من لا هو لا في العير ولا في النفير، خوفا من ابتزاز من لا يستحي ولا يخجل، وصاحب الملك الحقيقي غائب بإرادته، ومغيب رغما عنه، حتى لو حضر.
لم تصل القضية الفلسطينية، في كل تاريخها النضالي الطويل والمشرف، إلى مثل هذا المستوى من التبخيس والغبن، لتتحول إلى مجرد “صفقة” بين سماسرة بلا أخلاق ولا تاريخ ولا أي شيء يذكر. سماسرة يحملون أسماء جاريد كوشنر والمحمدين، ابن سلمان وابن زايد. الأول صهر الرئيس، والاثنان، على التوالي، أبناء ملك وحاكم. هذا هو المستوى الذي يراد أن تعالج فيه “قضية العرب والمسلمين”، تترك للأصهار والأبناء يتصرفون فيها كما يتصرف ورثة  
“ما الذي يدفع المحمدين، ابن سلمان وابن زايد، إلى الدخول في صفقة هما أكبر خاسرين فيها؟”

مدللون في إرث مهمل ومنسي، لا يقدرون ثمنه ولا يعبأون بقيمته!
من يكون جاريد كوشنر هذا حتى يأتي اليوم بـ”صفقته” لحل واحد من أطول النزاعات وأكثرها تعقيدا في تاريخ البشرية؟ يعتقد كوشنر أنه يمكن أن يخدم “الرب” من خلال موقعه السياسي الحالي للوفاء بالوعد بالتاريخي الكبير لبني إسرائيل. فهو على الأقل واضح في مسعاه الذي تحركه قناعته الدينية اليهودية وتعاطفه مع شعب بني إسرائيل، أما المحمدان، ابن سلمان وابن زايد فما الذي يدفعهما إلى الدخول في صفقة هما أكبر خاسرين فيها؟ لن يخسرا فقط المال الذي لا يحاسبان في دولهما على طريقة تبذيره، وإنما سيخسران ما هو أهم، سمعتهما، أو ما تبقى منها عندما سيضعهما التاريخ في خانة من خانوا واحدة من أقدس القضايا العربية والإسلامية، وقد عودنا التاريخ أن الناس تنسى الخونة، بينما تظل القضايا الحقة مستمرة في وجدان من آمنوا بها، بفضل تضحيات من وفوا بالعهد وضحوا بالغالي من أجل أن تظل حية لا تموت، حتى يحق الحق ويزهق الباطل، و”صفقة القرن” باطل في باطل، سرعان ما سينفض سوقها، وينسى الناس أمرها.
الصفقات الكاذبة تفضحها خدع أصحابها الكبيرة، وأكبر خدعة تروجها اليوم هذه الصفقة الكاذبة هي المبلغ المالي الكبير الذي اقترحه سماسرتها لتمريرها، ما يذكرنا بوعود خادعة وكاذبة كثيرة قدمها السماسرة أنفسهم لتمرير خططهم وحيلهم السياسية، في أماكن غير بعيدة عنا، وتواريخ قريبة من تاريخنا اليوم، فمن منا يتذكر عدد مؤتمرات إعادة الإعمار التي دعت إليها الولايات المتحدة الأميركية، وتمخضت عن وعود بالمليارات، لا أثر لها اليوم على أرض الواقع في كل الدول التي وعدت بها، من أفغانستان إلى العراق، مرورا بفلسطين ولبنان ووصولا إلى السودان، ناهيك عن وعود الدعم الكبيرة التي يعلن عنها كل مرة بمناسبة وبدون مناسبة، ليتضح في ما بعد أنها كانت مجرد حملات دعائية كبيرة لتمرير خطط سياسية كبرى ليس إلا. و”صفقة القرن” تدخل في إطار تلك الوعود الكاذبة. ولذلك بدأ أصحابها بترويجها بمبالغ ضخمة، يعرف الجميع أنها مجرد أرقام خيالية للترويج الإعلامي لأكبر كذبة سياسية في القرن، فما أن ينفض الجمع حتى ينسى الناس الأرقام، والمشاريع والوعود، وتبقى القرارات والخطط السياسية الماكرة التي يقيم أصحاب الصفقة اليوم الدنيا من أجلها من دون أن يبلغوا  
“سينتهي مؤتمر البحرين كما بدأ على وقع الرفض الشعبي للصفقة التي خرجت الشعوب في أكثر من عاصمة عربية للتنديد بها”
أهدافهم.
القضية الفلسطينية قضية حق تاريخي للعرب والمسلمين في الأرض المقدسة التي يعتبرونها قبلتهم الأولى، وقضية حق ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من ديارهم وأرضهم منذ أكثر من ستة عقود، ليعيشوا في أرض الشتات وداخل مخيمات اللجوء محرومين من أبسط الحقوق وشروط الحياة الكريمة، وهي قبل هذا وذاك قضية حق تقرير مصير شعب حر ومناضل، يعيش تحت أبشع وأجشع استعمار عرفه التاريخ. والقضية التي أعطت قوافل من الشهداء، وتسكن وجدان الملايين من العرب والمسلمين، من الرباط إلى جاكارتا، لن تتحول إلى مجرد صفقة مغشوشة، يريد أصحابها تمريرها مثل سلعة مهربة.
سينتهي مؤتمر البحرين كما بدأ على وقع الرفض الشعبي للصفقة التي خرجت الشعوب في أكثر من عاصمة عربية للتنديد بها، وستظل القضية الفلسطينية حية في وجدان أصحابها، وفي وجدان صاحب كل ضمير حي يرفض الظلم وينتصر للحق. فليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها القضية الفلسطينية لخيانات من أقرب الناس إلى حقوق أهلها التاريخيين. وفي كل مرة، كانت عملية البيع تفشل، لأن للأرض أصحابها الحقيقيين الذين يدافعون عنها يوميا بدمهم وحريتهم وأرواحهم، وهذه لا تقدر بثمن، ولا تباع ولا تشترى عبر صفقات.

0 Comments